عبد الرحمن سعيد مشرف قسم الإرشاد الإجتماعي وعلم النفس
عدد المساهمات : 13 تاريخ التسجيل : 06/02/2009
| موضوع: شجرة التوت 2009-07-06, 1:22 pm | |
| شجرة التوت تفـرد أغصانها تغطي المكان كأم تحنو على أولادها ، خوفا من لسعة برد تصر على أن تلــج عظامهم الطرية ... الشجرة المتدلية تضفي روعة وبهجة تسر الناظــرين وحبات التوت التي مازالت طور النضوج تداعـب ذاك الفراغ بكل كبرياء ، والأوراق تغــازل الظل الممتـــد من فضاء المكان إلى أروقـة الذاكـرة تداعبه بلطف وحنان . شعرها المتموج كما الليـــل في أوج عتمته ، وعيناهــا الواسعتان يشع منهما الضوء كشلال من العشق ينتشي العاشق من سحرهما ، وببسمة هادئة تداعب شفتيها تظهـر صفين من قطع اللؤلؤ المنسقــة ووجههـــا المملوء بالبهجـــة كشراع مبحر إلى مرفأ بعيد - يا لمتعــة السفر- و الترحال في عينيها ، طلتها البهية من أعلى الشجرة شمساً تشع جمالا أخـاذا تجسد مع أوراقها لوحـــة جميلة تفيض منها الحياة كلها بما تحتويه من فرح وعطاء لم أكن أعرف للحظة أن هذا المكان سينعش قلبي حتى أقع مترنحا من هوى قد غزا قلبي ،عيناها الجميلتان ونظراتها أجبرتني على التوقــف ، تسمرت كسارية علم أصرت على التباهي معتزة بما تحمل على رأسها ، لم استطع أن أتفوه بالكلام شعرت بالحرج ولأول مرة أحس أنني كجندي جبان فـر من أرض معركة0 بادرتنــي بكلامها الهادئ المعسول والــذي تطرب لـــه البلابـل والعصافير كان ذاك هــو اللقـــاء الأول الذي تبادلنا فيه الحديث فسحر جمالها وحسن صوتها يضفي على المكان روح الدفء والفرح . - ما رأيـك فـي هـذه الشجرة ... ؟!! . - ترددت قليلا ثــم استعدت قـــواي التي خارت محاولا أن أتحــرر من حالـة الخجل وبلغة الواثق بعض الشيء أجبت ... جميلة. -لقـد زرعها والدي نبتــة صغيرة ... وها هي الآن شجرة مثمرة وقوية... خيل أننا نوزع من ثمرها على ساكني هذا الحي 000 أنها مباركة فعلا . - نعــم مباركـة ... كنت أردد آخـر كلماتها كالببغـاء - ما بالك مرتــبكا... هل تخاف أن يرانــا أحــد اطمئن هــذه الشجرة كما تقـدم ثمارها ستقدم لنــا الأمان من أن يرانــا أحــد ... ؟!!. مرة أخرى حاولت أن أتخلص من حالــة اللا توازن لكن عيناها كانت تشدني إلى أن أبحـــر فيهما زمنا أطول لم يكن لي هذه المرة أي قارب للنجاة تكسرت كل القوارب عنـــد مرفـأ جمالها ، كانت الشمس تعبر لحظة الأصيل تتجه غربا لتنام هناك بعيدا خلف تلك الجبال . تابعــت كلامهــا والابتسامة لا تفارق شفتيها ... كنت أحاول أن أراك منــذ أيـــام طويلــة وهاهـــو الحلــم يتحقــق الآن ... لعلك تستغرب حديثي بهـذه الطريقة لكن صدقني أردت أن أقـول لك كل شيء وكُنْ على بينة لقد حاولت مرارا أن أراك لكن سبحان الله ما أجمل هــذه الصدفة إنني لا أصدق أننا نتحدث الآن سويا ... كان الصمت يتملكني ... سرح بي الخيـــال بعيــدا ، همت بالنزول عن الشجرة بهدوء ومع كل خطوة من خطواتها كاد أن يسقط قلبي معها ألف مرة تابعــت نزولها إلى أن أصبحت على مقربة مني مدت لي يداها وبصوت هامس يفيض منه الحنان - تـــذوق هــذه الحبات آمل أن لا تعطني رأيـك الآن ... غـدا في مثل هذه الساعــة وفي هــذا المكان نلتقي ، لوحت لي بيديها وأشاحت بوجهها وولجـت غرفتها التي تلاصق تلك الشجرة . غادرت المكان والمشهد لــم يفارقني ... شجرة التوت وأغصانها أشاهدها الآن إنها أمام ناظري غصناً 00غصناً ، وأشاهـــد أوراقهـــا وظلالهـــا الوارفـــة تبـــث المكان روعة ورومانسية لها جاذبيتها الخاصة ، وتلك الجميلــة التي تملكـت فؤادي في لحظة من الجنون . قدماي تتحركان بكل بـرود أغادر المكان ، والــدرب يمتد عبر الأفـق كل شيء أصبح الآن متسعا يمر الشريط مسرعاً تتعـدد الأحــداث أتذكر نصائح أمي التي كانت تتلوها دائما - يا بني لا تهتم إلا بدروسك أريدك طبيبا أفتخـر بك أمام كل نساء الحي – خرجـت من داخلي ابتسامة كاد الحزن أن يخفيهــا ، رحمك الله يا أمي كم أنا بحاجــة لك الآن لأنعم بالدفء عنــدك ، أنت الملاذ الوحيد الذي افتقدته منذ زمن ، أبي الذي غادرنا لا يكترث بنا رحل مع زوجته الجديدة ولم يكلف خاطره يوما عناء السؤال عنا كادت الدموع أن تشق طريقها عبر وجنتاي حاولت أن أتخلص من هذا الواقع الذي انقلب إلى وجع وألم ... كان الطريق طويلا وقدماي أنهكها المسير وأنا أعيش لحظات الذكرى ...رأيت أمي تجلس أمام باب بيتنا وما أن رأتني مدت يديهـا تحاول أن تمسك بي لتضمني إلى صدرهـا كان ثوبها الأبيض يضفي على المكان هيبة ووقار ، حاولت أن تقترب مني كنت أتراجع إلى الوراء لا أعرف لماذا كل ما في الأمر كانت تصر على الاقتراب مني إلا أنني أهـرب منها تنادينـي ، وكم كنت أود أن أقول لها كم أنا بحاجة إليك ... كم أحبك يا أمي لكن الكلمات تضيع في قاع حنجرتي ، يتجمهر الناس حولي تحملني جموع من الرجال ، والنسوة يندبن ويضربن الكف بالكف ومن على أكتافهم يمتد الأفق بعيدا عبر ناظري أرى سهولا مخضرة وزهر الحنّون يعيد للمكان جماله الأخاذ أعود من جديد لغيبوبتي ثم أنهض أحاول أن أتمسك بثوب أمي الأبيض لكنها هذه المرة تبتعد عني أكثر فأكثر .[b] | |
|