أدباء على شال القدس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لكل من يعشقون الحرف قبلة النهار باتساع الكلمات نفتح لكم قلوبنا قصائد عشق
 
الرئيسيةالقدس عاصمة الثأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المتفوق الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرحمن سعيد
مشرف قسم الإرشاد الإجتماعي وعلم النفس
عبد الرحمن سعيد


عدد المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 06/02/2009

المتفوق الأول Empty
مُساهمةموضوع: المتفوق الأول   المتفوق الأول I_icon_minitime2009-07-07, 4:51 pm

المتفوق الأول


في كل يوم استيقظ باكرا... رغم سهري في الليلة الماضية، كان الشــوق يقودني هذا الصباح لرؤية تلاميـذ المدرسة وهم يتباهـون بألبستهـم الجديـدة بعـد أن تخلصوا من لباسهم المدرسي ، وكأنهم يقولون بعـد عام من الجهـد أهلا بوقـت اللعب واللهو ، إنهم الآن ينتظرون تسلم الجلاء المدرسي والكل في حالة من الـفرح المشوب بشيء من القلـق ، أما أنا فكانت الأمور مختلفــة بالنسبة لي ، فكنت أتلهف لرؤية أولئك التلاميـذ والسعادة تخيم على محياهم ،هيأت نفسي وانطلقت نحو مدرستي ، التي تبعـد عن منزلي مسافة قصيرة اعتدت كل صباح أن أطيل مسافة الوصول إلى المدرسة كنوع من الرياضة، خاصة وأن خريف العمر على الأبواب ... لكن صدقوني لم تكن المسـافة هذه التي أقطعهـا عادة على حسـاب الدوام الرسمي ... في هذا اليـوم بدت شوارع المدينـة مزدانة جميلة على غير عادتها شاهدت الفــرح على كل الوجـوه حتى ذلك الحارس الليلي الموظف في الدائرة الحكومية التي أمر من أمامها كل يـوم في طريقي للمدرسة متغير المزاج هذا الصباح لأنني أعرفه جيــدا ولولا الخجل لما ألقيت عليه التحية الصباحية لأنه يرد تحيتي بينما كانت ملامح وجهه العابسة تشعرني أحيانا بأنه ناقم على الحياة ... وكم كان ينتابنـي هاجس أن أقول له : تواضع يا أخي ورد التحية بأحسن منهـا لكنني كنت أتراجع خوفـا مـن أن يصـب جام غضبـه علي ، وأما الحاجة أم محمود والتي تقطن بمحاذاة المدرسة تخاطب جارها هذا اليوم بلطف غير عادي وهي المعتادة دائما أن توزع كل صباح مزيدا من الشتائم على أبناء الحي وفي المساء تلعـن الساعة التي سكنت فيها هذا الحي السقيم ، تأملتُ أم محمود ... فتذكرت أيام الشقاوة يوم كنا أطفال لا تتجاوز أعمارنا الخامسة تذكرت خالتي أم العبد والتي كانت تسكن وحدهـا في بيت من الطين بابه من التوتيــاء وسقفه من القصب كنـا نتبـادل الأدوار برمي الحجارة على باب بيتها فتصرخ من الداخل تكيل الشتائم لنا ولأهلنا الذين لم يهتمـوا بتربيتنا حسب قولها( ولاد عديمي التربية) وفي إحـدى المرات التي كنا نُغيـرُ بها على بيتها تعثر أحد الأصدقاء، أذكر يومها أنها حزنت كثيرا وكم كانت لهفتها مليئة بالحنان لتطمئن على هذا الشقي ، وأخذت تدعو ربها أن يشفى وأن يدب بها المرض بدلا عنه ، شاهدت يومها مـدى الحزن الذي بدا عليها ، ومن يومهـا تعاهدت مع رفاقي ألا نزعجها واتفقنا أن يذهب كل يوم واحد منا لبيتها ليؤمن لها احتياجاتها ... تابعت سيري إلى المدرسة... كان الجميع منهمك بالعمل من أجل توزيع الجلاء المدرسي على التلاميذ ، كان الفرح المشوب بالقلق باديا على التلاميذ جميعا ... وهم يتراكضون كالفراشات في باحة المدرسـة ... الثياب ملونة بألـوان الزهـور، وهم أيضا زهور هذا العالم البريء... وقفـت وسط الباحة أحاط بي التلاميذ من كل جانب ... باركت لهم جميعا كانـوا فرحين جدا الكل طموح لينال العلامة التامة حتى نيسان التلميـذة الدلوعة والتي يشهد لها كل معلميها أن لها مستقبلا يبشر بالخير إن تابعت دراستها بهذا الجد ، قلقة أيضا ... بلحظة واحـدة تحول المشهد لشيء مختلف تحولت الباحة إلى غابة من أشجار السنديان وتحولت الجدران إلى متاريس ... كل شيء تغير... كلما نظرت في وجه تلميـذ كنت أشاهــد محمد الدرة ، كان التلاميذ يراقبون المشـهد جيدا ... الأرض تتحـول إلى مـرج أخضر و نيسان يخالف كل مواعيده هـذا العام ... بـدأت أسمع صوتا جهوريا يخترق سمع الجميع ، وقـف مدير المدرسة ليعلن أسماء التلاميـذ الأوائل في المدرسة غابت عنه كل الأسماء، اختفـى الصوت داخل حنجرته ثم حاول من جديد .. استجمع قـواه فخرج الصوت قويا كأنه الجلجلة أبنائي الأعزاء لنصفق جميعا للتلميذ الأول الذي نال المرتبـة الأولى 000مرتبة الشرف التلميذ محمد الدرة عندها رفع التلاميـذ رؤوسهم جميعا إلى السماء كانت الشمس تزداد توهجا وصهيل الخيول يأخـذ مداه ومن فوق الهامات يعبـر سرب من اليمام ... أصطف الجميع وبنظام لم نعهده وبكل هـدوء ... ارتفعت الأيـدي حتى لامست الجباه كانت الهامات مرفوعة .... ارتفع الصوت عاليا ... جميلا يحمل كل براءة الأطفال ... هـــادرا " بلادي .. بلادي .. لك حبي وفـؤادي" فامتزجت الأشياء ، وكونت لوحة جديدة تجلى فيها الوطن بأبهى صوره ومعانيه ، وأخـذت العصافير تسبح في الفضاء تعـد طقــوس الفرح ، والأصوات تنبعث من حناجر التلاميـذ مدويـة، والقبضات تتعالى ، عندها وجدت نفسي بين الحشود الكبيرة التي تجاوزت الباحة المدرسية مخترقة كل الشوارع والحارات والمدن العتيقة ، وعلى امتداد الوطن ، أردد مع التلاميذ بالـدم بالـروح نفديك يا شهيـد 0
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المتفوق الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أدباء على شال القدس :: الأدب ( شعر - قصة - خاطرة -دراسات نقدية - المقالة - أدب الرسالة) :: القصة القصيرة-
انتقل الى: