أدباء على شال القدس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لكل من يعشقون الحرف قبلة النهار باتساع الكلمات نفتح لكم قلوبنا قصائد عشق
 
الرئيسيةالقدس عاصمة الثأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 منمنمات على جرح وطن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سمير خليفة

سمير خليفة


عدد المساهمات : 4
تاريخ التسجيل : 25/04/2009

منمنمات على جرح وطن Empty
مُساهمةموضوع: منمنمات على جرح وطن   منمنمات على جرح وطن I_icon_minitime2009-07-14, 6:46 pm

منمنمات على جرح وطن


بقلم سمير خضر خليفة

(1)
الجدار


زحفت أفعى إسمنتية امتدت على طول الوطن الجريح. قاطعة أوصال ارض الأجداد المتوارثة منذ كنعان الأول. لِتُخّلد بالذاكرة تاريخاً جديداً كهزائمنا المتعاقبة، وليبدأ التاريخ منها. فبتنا ندوّن تاريخنا ما قبل الجدار وما بعد الجدار. حّول الفتية الجدار إلى لوحة إعلانات كبيرة . افرغوا عليها هواجسهم وأحلامهم الصغيرة . هنا رسم لقلب دامٍ غرست به سكين معلق على خاصرة الوطن... هناك ذكرى لأسماء رحلت أو ما تزال.. رسوم لأعلام وطنية أو فصائلية.. صور لشهداء... ملصقات لمناسبات وأعياد اجتهدنا باستنساخها حتى غطت كل أيام سنواتنا. وحده هذا الفتى رسم ساعدين عاريين ولِدا من رحم الأرض، وامتدا يتسلقا الجدار الأسمنتي، يفتحانه كستارة نافذة، فينكشف المشهد عن صورة فجوة قُُطعت قضبان المعدن بداخلها، لتمر من خلالها أشعة الشمس. كَتَبَ فوقها "عائدون .
عندما دخل المعلم غرفة الصف كان جميع الطلاب على مقاعدهم ما عدا ذلك الصبي. بعد قليل بثت المحطات الفضائية نبأً عاجلاً: " لقد تسلل فتى من خلف الجدار، ونفذ عملية في إحدى المستوطنات استشهد على إثرها ومازالت هويته مجهولة
.

غرباً

انقلبت حياه الصبي منذ اليوم الذي دخل والده حاملاً حمامةً مكسورةَ الجناحِِ. ليصبح المسؤول الوحيد عن إطعامها والاعتناء بها، حتى استردت عافيتها وقدرتها على الطيران من جديد.
ذات مساء جلس الصبي على حافة سطح المنزل يراقب حمامته تحوم فوقه. فجأة حلقت الحمامة عالياً، وبدأت تشق طريقها باتجاه الغرب. حتى اختفت عن أنظار الصبي بين الغيوم الملونة بلون الشفق القاني . هدّأ الوالد من روع ولده مواسياً: " يا ولدي لا بد من يوم تعود به الطيور إلى أعشاشها ". عندها استبدل الصبي رسوم الحمام التي ملأ بها كراريسه المدرسية، وجدران زقاق المخيم، برسوم لبيت حجري كما أخبره والده يطل من سفح تلة غرباً على بحر حيفا.


(3)
غالية


عشق النوارس لرحابة الفضاءات ، رائحة ملح البحر، توقف إطلاق النار القصير على محور المخيم، صورُ آلام وأحزان تزاحمت في ذاكرة هذا اللاجئ فلبى نداء البحر .
بين القصور الرملية التي شيدها أبناؤه على الشاطئ،استلقى قبالة زوجته المنهكة في إعداد الطعام ، منشغلاً عن لهو أولاده ، متأملاً جبروت الشمس المنكسر على حافة الأزرق البعيد.
وغير مبال بزورقهم الحربي الذي يدنس قدسية هذا المشهد. صوت انفجارٍ استباح المكان. فتوقف الزمن. تسابقت عدسات المصورين لتسجل سبقاً إخباريا، فلم تجد أمامها إلا فتاة مذهولة غير آبهة بهم تتراكض متعثرة على الرمال توزع أحزانها ودموعها على أشلاء عائلتها المتناثرة. جثت قرب والدها أمسكت برأسه محاولة رفعه عالياً ، متجاهلة الغدر القادم من البحر، لتطل علينا من الشاشة نافذة عجزنا صارخة تنادي أباها الغافي . شاهدةعلى صمت العار فينا .


(4)
فارس

عاد فارس ومن خلفه صبية الحي إلى منزله مسرعاً يلوح لأمه بصحيفة أجنبية، اختارت صورته لصفحتها الأولى وهو يقف متحدياً "دبابة الميركافا" بقبضةٍعاريةٍ إلا من حجر. ناولها لأمه، التي أدمنت الانتظار . ابتسمت له محاولة أن تغالب الأسى الذي ما فارق محياها يوماً. قبلته على جبينه، وابتهلت بقلب كسير (الله يحميك .. الله يحميكوا.. يمه..).
أخذ جفن عينها الأيسر يرتعش دونما تفسير، عندما وقعت عيناها على الصورة معلقة على الجدار وقد كتب عليها بخط يده (الشهيد البطل فارس عودة) وانتبهت لرحيله المبكر هذا الصباح. ساعة مضت أيقنت بعدها أن ولدها لم يذهب إلى المدرسة. عندما أعاد لها أحد رفاقه الحقيبة .
وقفت أمام الدار تنتظر فارسها، فعاد ولكن هذه المرة محمولاً على الأكف. شقت طريقها بين الجموع، ضمته لصدرها وقبلته. وقبل لحظة الوداع الأخيرة انحنت ملتقطة حجراً ووضعته بكفه وقبلتها .فعلا التكبير والزغاريد.
أمام جبروت هذه الأم ارتبك المراسل ،وغصت الكلمات في حلقه. وحرقة الدمع بعينيه ،فهرب ليلحق بركب المشيعين وصوت الأم لا يبرحُ أذنيه .
( الأبطال يولدون مرتين ... الأبطال يولدون مرتين.)

(5)
راشيل كوري


مستر جورج الموفد من قسم التربية وعلم النفس في إحدى الجامعات الأمريكية، إلى إحدى مدارس وكالة الغوث في مخيم جنين، لدراسة أثر الحرب على سلوك الأطفال . أخذ مكانه في قاعة النشاطات أمام حشدٍ كبيرٍ من الأطفال وبعض الإعلاميين. بدأ يعرض صوراً أخذت لأطفال من بلاد العم سام وهم يلعبون ويمرحون في حدائق وباحات مدارسهم النموذجية . و بعربيته المكسرة التي أصر على التحدث بها دون مترجم، شرع يشرح لهم عن حقوق الطفل في الحياة والتعلم واللعب، متحدثاً عن ضرورة السلام ونبذ العنف والإرهاب . استأذن صبي بالانصراف . لم يكن اسمه بلائحة المدير التي اختارها ولقنهم بعض الأسئلة وأجوبة لأسئلة مفترضة، محذرا باقي الطلاب من السؤال أو النقاش، مهددا بأن لا يقوم احدهم بالحديث إلا بإشارة منه أو من مساعده . عاد الصبي بعد فترة قصيرة حاملاً لوحة من الكرتون رفعها مباشرة بوجه مستر جورج، فامتعض و ظهرت عليه علامات الانزعاج والحيرة لما شاهده، ارتباكه الفاضح لم يترك له مجالا إلا الاعتذار عن متابعة محاضرته العصماء. مبرراً ذلك ارتباطه بموعد هام. ثم انسحب يتبعه المدير ومعاونه . استدار الفتى رافعاً لوحته باتجاه الطلاب والإعلاميين، دُهش الحضور لدى رؤيتهم صورة كبيرة لجرافةٍ "إسرائيلية" وفي وسط اللوحة صورة لفتاة أمريكية اسمها راشيل كوري ترتدي كوفية فلسطينية ،وكتب على اللوحة بخط كبير باللغتين العربية والانجليزية:
" هذه الإنسانية قالت كفى".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
منمنمات على جرح وطن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أدباء على شال القدس :: الأدب ( شعر - قصة - خاطرة -دراسات نقدية - المقالة - أدب الرسالة) :: القصة القصيرة-
انتقل الى: