المقامة الجهادية
حدثنا عدنان بن يوسف قال:
كانت معركة رهيبة,على قطاع غزة الحبيبة ,فسقط الكثير من الشهداء ,أكثرهم شيوخ كبار ونساء,أطفال صغار أبرياء,لم يبق أحد إلا وأصابته جائحة ,ولا بيت إلا وفيه للموت رائحة, كان هناك تدميرا في بيت حانون، وقتلا وتشريدا في حي الزيتون، وفي جباليا صراخ وعويل ، وفي رفح قتل وتنكيل ، ولكن رغم التدمير والحصار , كان هناك صمودا وإصرار, على تحقيق عز وانتصار, وإلحاق باليهود الهزيمة والعار .
وكان لا بد من اجتماع قادة الفصائل المقاتلة, لبحث مستجدات المعركة العاجلة, واتخاذ قرارات لدعم القوات الباسلة, بعد دحر قوات العدو الراكبة منها والراجلة .
وجاء القادة بعد المساء, مع مرافقيهم ذوي النظارات السوداء, لكني لم أر في محياهم وعثاء السفر, ولا السهر مع الجنود في الخنادق والحفر, كل اعتنى بمظهره ولبوسه, كأنه مراهق يحتفل في ليلة الدخلة بعروسه .
دخلوا قاعة مزينة ومنيرة, فيها أرائك فخمة وكبيرة, وطنافس من إستبرق وثيرة, وطاولات مربعة وأخرى مستديرة, عليها من نحف خصره من الكؤوس, ولا أظنها مملوءة بالزنجبيل والعرق سوس, وإنما شراب احمر واصفر, ولا ادر أهو عصير حلال أم شراب خبيث منكر, وفي منتصف القاعة جبل من أثمن الزهور, جوري وأوركيد ومنثور, وزنابق ذات بهجة وعطور.
وبعد تلاوة من الذكر الحكيم المعطر, ارتقى احدهم أعلى درجات المنبر, يرافقه تصفيق وتصفير, وهتافات وتهليل وتكبير .
وقبل أن يبدأ بالكلام, جيء بالتلفزة والإعلام, وأحيط بالأنوار الكاشفات, وحدقت به عدسات الكاميرات, ثم شرع بكلام مبهم, بعضه واضح وبعضه لم يفهم, يقال انه شرح الأوضاع الجديدة, ووضع حلول صائبة وسديدة, ثم لعن اليهود الأوغاد, الذين عاثوا بالأرض الفساد, وشردوا البهائم والعباد, ثم رفع يديه إلى السماء, وأخذ يدعو هذا الدعاء :
اللهم دمر اليهود كما دمرت عاد وثمود .... اللهم افتح المعبر الفتح المبين وأسكن أهلنا بدل الخيام مساكن من طين, وارزقهم من طيبات علب السردين, وأغدق عليهم المازوت والبنزين .... اللهم أكثر عليهم أكياس الطحين, وأطعمهم عنبا ورمانا وتين , ورددنا وراءه آمين آمين .
وعندما حان وقت الغذاء, أخذونا إلى حديقة غنّاء, يتراقص في نوافيرها شلال ماء, وفي خدمتنا انبرت أجمل النساء, فجلسوا على المقاعد بينما جلست القرفصاء .
لم يكن الطعام خبزا وزعترا وزيت, ولكن .. يالهول ما رأيت, بحيث لا يوجد طائرا يطير في السماء, أو كائن يسبح في الماء, أو شاة ترعى في البيداء, إلا جلبوها إلى هذا العشاء, فكانت أطباق كبيرة للشواء, وقصعات مليئة بالحساء, وديوك رومية محشية, واسماك محمرة ومقلية, وعلب نظرت إليها بانبهار, وسألت عنها فقالوا انه الكافيار, يساعد الرجال على النسل والإكثار, وقضاء حمراء الليالي بافتخار .
فصرخت ألا من أنفسكم تخجلون, وأنتم لهذه الوليمة تأكلون, وأهلنا من الجوع يألمون, وتلاحقهم كل يوم يد المنون, فصاح احدهم : اخرس يا بهيمة, فالقرارات العظيمة, لا تتخذ إلا بعد هكذا وليمة, ثم حملوني بشكل لا يليق, وألقوا بي على قارعة الطريق, وقالوا خسئت يا خائن يا صفيق, فماضيك معتم دونما بريق, وتاريخنا مشرق ناصع عريق .
فقلت : لو أن النصر يأتي من هكذا وليمة, لاسترجعنا مدينتا سبته ومليله, وحررنا فلسطين وبيت المقدس, واعدنا للعرب بلاد الأندلس .
ولملمت على عجل ردائي, بعد الاستعاذة بالله من هذا البلاء, وفي ذلك أنشدت أقول :
شربوا الشراب بصحة الأوطان .....ملئوا البطون وغيرهم جوعان
كانت عيونهم تطل من اللحى ......وكروشهم حبلى كذات ثمان
ملئوا الفضاء تبجحا وتوعدا ........أين الصنيع وغيرهم سهران
حيفا ويافا تنتظر أسيافنا ...............أمن الفنادق صولة الفرسان
هذا "طليل" وذاك" شعلة عصره" لن يرحم التاريخ أي جبان
موضوع: المقامة الجهادية 
2009-12-25, 5:57 am
